نيتشه وفلسفة السوبرمان



فريدريك نيتشه الفيلسوف الألماني، أحد أهم الفلاسفة بالعصر الحديث، ويعرف بفيلسوف القوة، وفلسفته فلسفة المطرقة التي جاءت لتهذم أصنام ما بناه الأقدمون.. تركت فلسفته تأثيرا عميقا على فلسفة الغرب و تاريخ الفكر الحديث . ولاتزال أفكاره ذات صيت واسع تثير جدالات على نطاقات واسعة، و تتم تفسير آراءه على أوجه مختلفة و متضاربة، لأن فلسفته و إن كانت مغرية ومميزة جدا، إلا أنها تحتاج التعمق في تحليلها للوصول إلى معانيها، و ليست مميزة في أفكارها فحسب، بل و يمتد ذلك إلى أسلوبه أيضا ذي العمق و البلاغة.. فلسفة نيتشه فلسفة حياة لا يجب أن يموت المرء دون أن ينهل منها..

وفي ذلك يقول :



إرادة القوة في فكر نيتشه :

إن ما يمز فلسفة نيتشه بشكل عام هو رفضه لأفكار الفلاسفة السابقين، تلك الأفكار التي تدعو إلى تحقير الجسد، الأفكار التي تعبر عن الضعف و الإنحطاط.. فإرادة القوة عند أولئك الضعفاء متمثلة في احتقار الجسد وغريزة الإنسان، أما إرادة القوة عند نيتشه هي السلاح الأمثل لتحطيم الإنحطاط الذي لحق أوربا خلال العصور الوسطى.. إن الحقيقة تبدوا نسبية لما تراه إرادة القوة كفيلا لتحقيق أهداف نيتشه..

فكرة إرادة القوة هي نقيضة لإرادة الحياة عند الفيلسوف المتشائم " آرثر شوبنهاور " الذي يدعو للإبتعاد و العزوف عن الحياة : آملا درأ آلامها، وفي المقابل فنيتشه يعلن عن حبه ووفاءه للحياة.

يؤكد نيتشه أنه " بقدر ما تكون الحياة قوية، بقدر ما يكون العالم الموجود أكثر خصوبة " فصراع الأقوياء، صراع طبيعي، و إرادة القوة لها هدف و غاية، و هي الطريقة و الوسيلة لتحقيق السعادة في عالمنا. كما يقيس نيتشه  القوة التي يعتقد بوجودها في كل أرجاء الكون، بكون إرادة القوة "جوهر الحياة" ، و ليست فقط بخاصية من خصائصها..

نيتشه الداعي إلى الإنسان الأعلى القائل بموت الإله دعوة إلى تحطيم القيم البالية التي ترفع من سطوة الكنيسة و مشاركة الملكية لحكم الإله في الأرض.. إن موت الإله هي بذرة للقضاء على مفهوم الخير  و الشر من وجهة الأديان و العقاب و الجنة و النار ، هي رفض للقيم المثافزيقيا التي يتكدسها الخيال أكثر من المنطق، و هي دعوة إلى الإهتمام بالعالم المادي المنفرد، لأن الإنسان لن يكون ذي هوية أمام تعشعش فكرة الإله و طغيانها على عقله، فلا قوة على الكون في نظره يجب أن تترفع على الإنسان ولا مرحعية فوقه تمنعه أن يصل إلى مراتب أعلى..
ولهذا عمل نيتشه بجهد ليحدث بناءا فعالا متجها إلى التقدم و الإزدهار، معتبرا فكرة موت الإله التجلي الأسمى لإرادة القوة . " بداية من عصر النهْضة و الثنوير، مرورا بالثورة العلمية ومن أهم ما حصلته (نظرية التطور) فأصبحت القيادة للإنسان ودور الإله هنا غير فعال، ووجوده بدأ بالتلاشي شيئا فشيئا .

يقدم لنا نيتشه بديلاً للإله وهو الإنسان الأعلى المتفوق.. هذا المفهوم يظهر جليًا في الكثير من كتبه، لكنه أخذ شهرة أوسع مع كتابه " هكذا تكلم زرادشت " الذي تم نشره عام 1883 م، هي عبارة عن رواية فلسفية بطلها زراسس الديانة الزرداشتية المنتشرة في بلاد فارس، وقد اعتبر نيتشه كتابه هذا بمثابة إنجيلٍ لَه . فعلى البشرية جميعًا أن تسعى إلى الإنسان المتفوق، لأن الإنسان في حالته الحالية، ليس إلا في مرحلة وسيطة، ليس لها هدف إلا الوصول إلى الإتسان الأعلى الذي يأخذ بزمام التحكم..
في كل كتابات نيتشه " يتغنى بالإنسان الأعلى " الذي يكسر كل القيم و المقايس البشرية، فلا يكون لهذا الإنسان المنشود أي عقبات تحد من إمكانياته ولو عقبة " الإله " ذاته. و الإنسان المتفوق لا حد لطموحه فهو في مسعًا دائم للتطوير.
والقوة عند الإنسان إنما تتجلى في الإبداع والاستقلال والتحكم في النفس ومغالبة الظروف وقهر الصعاب المحيطة به، حتى یبقى الإنسان سید نفسه وسید هذه الأرض.
والإنسان الأعلى هو رمز يشير إلى كائن لديه قدرات خارقة تفوق البشر الحاليين، هذا المفهوم جاء نتيجة تأثر نيتشه بداروين ونظرية التطور التي ظهرت في كتاب “أصل الأنواع” في عام 1859م، أي قبل تسعة عشر عامًا فقط من كتابة “هكذا تكلم زرادشت”. الإنسان -حسب نظرية التطور- جاء حيثما جاءت الحيوانات وجميع الكائنات الحية، فهو الصورة الأكثر تطورًا من جميع الكائنات الحية، وبالرغم من ذلك يرى “نيتشه” أن الفارق بين الإنسان والشمبانزي مثلاً فارق ضئيل للغاية، أي أن الإنسان لم یتقدم عن المستوى البدائي كثیرًا، لذا فالإنسان يجب أن يتطور أكثر فأكثر، ويقول نيتشه على لسان زرادشت: “كنتم دودة ذات يوم، لكنكم ما زلتم تحملون الدودة بداخلكم”، فمثلما القرد هو صورة بدائية للإنسان الحالي، يجب أن يكون الإنسان الحالي هو الصورة البدائية للإنسان الأعلى.

إن فكرة الإنسان المتفوق، هو رمز يشير إلى كائن ذات قدرات خارقة، فكان كتاب نيتشه " هكذا تكلم زرادشت " السبب في إنتاج شخصية " السوبر مان " إلى الأفلام الأمريكية كشخصية متفوقة على البشر العاديين، ومفهوم الرجل المتفوق أتت نتيجة تأثر نيتشه بنظرية التطور لداروين، و التي جاءت في كتابه " أصل الأنواع " عام 1859م، قبل تسعة عشر عامًا فقط من كتابه " هكذا تكلم زرادشت " .
هتلر وتأثره بنيتشه :
مع مطلع الحرب العالمية الثانية عرف العالم تقدم الألمان النازيين وزحفهم إلى أوربا بقيادة هتلر. وقد كان لهذا الإنتصار سبب رئيسي تمثل في تأثر هتلر بالفكر النتشاوي، وكان لفلسفة نيتشه حول القوة و الإنسان المتفوق تأثير عميق على النازيين، لدرجة جعله الفكر الرسمي للنازية. وكان هتلر نفسه يقوم بتوزيع كتاب " هكذا تكلم زرادشت " على الجنود، ويلزمون بقراءة صفحات منه كل يوم، فلا يفارق ذلك الكتاب محافظهم..
وكثيرًا ما تم ربط نيتشه بهتلر فقيل أن فلسفة نيتشه أنجبت هتلر، إلا أن الفكرة بحد داتها تعرضت للكثير من التأويل ، حيث أن هناك من يرى فكر نيتشه : فكرًا شريرا/دمويًا خالٍ مِن أي إنسانية.. وآخرون يرون في الخير و الطيبة ودعوة إلى المتابرة و السعي لنيل أعلى المراتب، والتفوق على عجز الإنسان ومجاهدة الكسل والخمول، لصناعة ذات الفرد .

وفي المتحدثين عنه يرد:
  " وحيدا أمضي الآن.. وأنتم أيضا ستمضون وحيدين.. "

تعليقات