تقنية النانو ومفاجأة العصر


إذا كنا من محبي ومتابعي آخر الإبتكارات التكنولوجية، فلا يسعنا إلا أن نقف وقفة تأملٍ، مدهوشين مِن سحر التكنولوجيا، متأملين بصمت طويل، حجم الأشواط التي قفزتها التكنواوجبا، بـ أوقات وجيزة صنعت اختراعات كُنا نصنفها ضمن مبالغات أفلام الخيال العلمي، لكن عصرنا الحالي يظهر لنا الآن صحة وإمكانية تلك الإبتكارات.. رغم ذلك ألا تظن أن هناك مبالغة في بعض الأفكار و النظرية التي قيل عنها ممكنة مستقبلا ؟ كتكنولوجية النانو ؟ أمل المستقبل..

تكنولوجية النانو :

تكنولوجيا النانو هو مصطلح مترجم من الإنجليزية: Nanotechnology وهي تقنية تقوم على دراسة المادة ومراقبتها في مختلف أبعادها لفهمها، وتتراوح ما بين 1 و 100 نانومتر وهي وحدة قياسها ،والتي يمكن استخدامها في جميع مجالات الحياة العلمية المختلفة، مثل: الفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا، والهندسة و علوم المواد، وتدخل كذلك في الطب، ومن الجدير بالذكر أنّ مصطلح تقنية النانو أو تكنولوجيا النانو بشكل عام يتعلق من الدرجة الأولى بالفهم  الأساسي للخصائص الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية على المقاييس الذرية والجزيئية، من أجل التحكم بهذه الخصائص الخاضعة للرقابة لإنشاء مواد وأنظمة لها وظائف ذات قدرات فريدة ومميزة .

مِنذ القرنين الفائتين إلى دخول القرن الواحد و العشرين أخدت الأجهزة الإلكترونية في التصغير والتناقص شيئًا فشيئًا إلى أن صار بإمكان المرء إقتناء جهاز بحجم كفة اليد يقوم بملايين العمليات في وقت وجيز جِدًا . وقد أصبحنا نسمع عن أجهزة في المختبرات الطبية : تدخل في جسم الإنسان وتقوم بوظائف لم يكن يتصور القيام بها دون تدخل جراحي . والعديد من الإبتكارات التي تطورت آواخر هذا القرن. جميعها تم تصنيفها ضمن ما يسمى بتقنية النانو أو تكنولوجيا النانو الحديثة، والتي لا يخلوا محفل علمي أو تقني إلا ووصفها بمعجزة العلم !

 فكرة النانو :
سنة 1959 قام عالم الفزياء ريتشارد فينمان الحاصل على جائزة نوبل عن فكرته " هناك الكثير من الفسحة في القاع " في اجتماع حضره للجمعية الفزيائية الأمريكية، حيث أدخل مفهوم النانو دون أن يطلق عليه ذلك المصطلح .
وفي خطبة فينمان الشهيرة، ألقاها حول إمكانية التلاعب بالمواد على نطاقٍ أصغر وبإمكانات أكبر، سائِلاً '' أَلا يُمكِن أَن نَكتُب 24 مُجَلدًا كَاملا مِن الموسوعة الريطانية فَوق رأس دَبُوس ؟ "
منذ الإفصاح عن ذاك التساؤل إنطلق عمليات تطوير مجال الإلكترونيات المصغر [MEMS] . كما بدأ الباحثون استكشاف مستويات أخرى مِن التصغير ، مُتناهية الدقة والحجم وهي أنظمة الـ "Nanoelectromechanical" .
ماهي تقنية النانو أو Nanotechnology:
إن أصل كلمة النانو مأخودة مِن الكلمة اليونانية و تعني القزم.. ولإيصال فكرةٍ عن مدى صِغر النانو وطآلة حجمها إليك هذه الأمثلة :
- فروة واحدة مِن فروة الرأس تعادل سماكتها 50000 إلى 100000 نانو-متر .
- الفترة الزمنية القصيرة بين حمل الرجل لماكينة الحلاقة متجهًا بها صوب دقنه ليحلقه، تكون آنها قد نمت لحيته بطول 1 نانو-متر .
- أظافر الإنسان تنمو واحد نانو-متر في كل ثانية تمر من الزمن .
يجب علينا أن نفرق بين علم النانو وتقنية النانو كمصطلحين يجتمعان في نقطة و يختلفان من ناحية الرؤيا :
- علم النانو يقوم على الظواهر لأجل التلاعب بالمواد في مقايسها النانوية .
- تقنية النانو : تتمثل في إنتاج وتصميم تطبيقات وهياكل القطع و الأجهزة والأنظمة ، وذلك من خلال التحكم في حجم و شكل مقايسها النانوية الفائقة الصغر . إن هذه التقنية الخارقة يمكننا تطبيقها في العديد من الصناعات التقليدية وكذا صناعات المُستقبل.
أهمية و ضرورة تِقنية النانو :
يؤكد العلماء في مختلف المجالات أن الإنسانية ومنذ القدم كانت ومازالت تتعامل مع تقنية النانو وإن كان ذلك دون علم منهم، بحيث أنهم و كل ما يحيط بهم محاط ومصنوع من النانو، فالذرة و الجزيئات مواد على مقياس نانوي. كما أدى سعي العلماء إلى ابتكار و صناعة أجهزة متناهية الصغر إلى صنع مجهر القوة الذرية [AFM] . إضافة أن تقنية النانو قد ساعدت علماء الأحياء والطب على إنجاح عمليات لم تكن ممكن دون أجهزة متناهية في الصغر .
يؤدي التعامل مع المواد في مستوى نقياس النانو-متر إلى تغير خصائصها، لتظهر خصائص أخرى جديدة، كما يحدث في تأثير الكم - في فزياء الإلكترونات - .
وتنقسم تقنيات النانو إلى نوعين :
الأولى تساهم على تحسين وتطوير العمليات و.الإجراءات التقنية .
الثانية تقوم على خلق ثورة علمية تغير من هيكلة العمليات التقنية جذريًا .

إستثمارات الحكومات على تكنولوجيا النانو :

تقوم الحكومات بإنفاق الكثير من المال لتمويل أبحاث تقنية النانو والتنمية . تشير تقديرات الاستثمارات العامة بجميع أنحاء العالم في مشاريع التقنية النانوية في عام 2009 أكثر من 7 مليارات الدولارات. كما يوجد الآن عشرات الآلاف من الأوراق البحثية حول موضوعات علوم النانو وتقنية النانو والنمو ما زال مستمرًا وفي تقدم ملحوظ. وتجدر الإشارة أن أول من أنشأ معهدا لدراسة هذه التقنية كان في اليابان ثم وتبعته بعد ذلك أمريكا .

بِخُلاصة مختصرةٍ : فمعنى التمكنولوجيا النانوية هي السيطرة الكاملة والكلية الرخيصة على تركيبة المواد، فالمرض و الفقر و الثلوث، أشياء كلها سيئة ناتجة عن السيطرة السيئة في التحكم في تركيبة المواد .

علم النانو مجال واسع للحديث لكن أخد لمحة عنه و إشعال فتيل في فضول المرء أفضل من جهله للموضوع عامة، و أختم المقال بقول الـعالم الكبير " ك.إريك دريكسلر:
" ( إننا سوف نرسم صورة للتكنولوجيا، إلا أن التكنولوجيا ذاتها يلزمها كتاب أكبر حجما لتناولها بالتفصيل.. )

تعليقات