ــ ثناء.. "حسنا كفاك تذمرا و ادفع معي النقالة حتى ندخل المصعد"
ـــ..حسام .."ألا ترين أنني مشغول "
ــ" ثناء..." جيدّ مشغول كعادتك بمكالمة عاطفية واترك العمل منوط في عهدتي "
ــ حسام.."وان يكن ..عموما انا احاول مهاتفة امي اريد ان اخبرها ان تنتظرنى لنتناول العشاء معا"
(تقف ثناء امام باب المصعد وتدوس الازرار وهي تردد)
ــ " اظنك استأذنت بالخروج منذ دقائق لم عدت؟"
ــ حسام.."لاكمل ما قدر لي واصطحبك الى المشرحة كعادتنا لانني ادرك تماما انك تخافين الموتي"
(تقهقه ثناء )
ــ " تلك ضريبة عملنا كممرضين"
سرعان ما دلفا الى المصعد وثناء تدفع النقالة بهدوء بينما حسام لا يزال يحاول مكالمة امه فتح باب المصعد مباشرة على رواق طويل ممدد في الطابق السفلي كانت الاضواء طيلة الممر تتراقص وكأنها ترحب بالقادمين اردفت ثناء بصوت عال مسموع وعيناها تجوبان المكان المخيف الغارق في صمت رهيب لتدفع عنها شبح الخوف وتتفادى رؤية الجثة الممدة فوق النقالة والمغطاة بلحاف ابيض قالت
ــ"هل يوجد عطل بالكهرباء ؟"
اجاب حسام
ــ" ربما ..وربما لا على كل لا تخافي انا معك ..وليست بالمرة الاولى التى تنطفئ بها الاضواء فالمشفى بأكمله يحتاج الى اصلاحات والان استسمحك عذرا اريد انهاء مكالمتي هنا اما انت فادخلي الجثة الى المشرحة فالباب مباشرة امامك"
ــ ثناء" الا تبتغي الدخول وتساعدنى لوضعه في الثلاجة
ــ كلا اهتمي انت بالامر"
ــ ثناء"..اذا تعدني بان تبقي هنا بالرواق وتظل تحاورني بصوت عال"
ــ "هاهاها ..يا لهذا الكم الهائل من الخوف لديكن انتن النسوة صدقيني لا شئ مخيف في هذا الكون عدا الانسان الحي هيا ادخلي يا صغيرة فعملنا طالما تطلب منا الصبر والشجاعة على تقبل الامور "
دفعت ثناء النقالة تجاه الغرفة ومدت يدها ودفعت الباب المتحرك وهي تتكلم بصوت مسموع لتزيح عنها شبح الخوف والذي كلما خطت خطوة داخل المشرحة استبد بها الرعب وتجمدت اواصرها لامن شدة سقيع الثلاجات بها ولكن لرهبة المكان الغارق في صمت القبورحادثت حسام من داخل الغرفة قائلة
ــ"هل تعلم ان هذا الشخص الممد امامي أصيب في حادث اليم للتو فقد كان منذ لحظات ينعم بدف الحياة والان هو جثة متجمدة لعل تهوره وطيش الشباب فيه اودي بحياته "
ــ حسام "على العكس تماما لقد كان شخصا رصينا حتى انه كان يترجل على الرصيف حتى داهمته سيارة كان صاحبها مخمور"
ــ ثناء " مسكين هذا ما نسميه بالقضاء والقدر فليرحمه الله "
ــ حسام" هل تهابين الموت "؟
ــ"ثناء" انّما اخاف الفراق الفجائي ودون رجعة "
فجأة برزت يد الجثة من النقالة وظهرت امامها ارتعبت لوقع المنظر وبرباطة جاش وصلابة مصطنعان اعادت اليد الى فوق الجثة وغمرتها باللحاف ثم اقتربت اكثر صوب صناديق الثلاجة وطفقت تفتح واحدا شاغرا حتى سقطت اليد الاخرى من الجثة تفاجأت ثانية وقد رجعت الى الخلف خطوتان عيناه تحدقان في الجثة المغطاة وكأنّها تنتظر ان تنهض من مكانها او ان تسقط بالكامل على الارض ففي مثل هذا الوضع كل شئ جائز وقد استبدت بها الهلوسات والافكار الشيطانية المرعبة حتى انها بدا يتناهى الى سمعها اصوات الجثث الاخرى من خلف صناديقهم يرددون اقوال من قبيل
ــ "انا هنا ....مرحبا ... اه ..اه ..انت شجاعة .. المكان بارد جدا ....اين حسام ..حسام"...
ارتعبت اكثر ورددت
ــ" حسام هل مازلت هناك انه حقا امر مخيف"
ــ حسام " لا تخشي شيئا مازلت معك بالرغم انى اخاف الاماكن البارد والطقس البارد الا انني هنا معك"
ــ ثناء"اه بالله عليك متى تنهي مكالمتك وتأتي لمساعدتي انه ثقيل ولا اقدر على حمله الى الصندوق"
ــ حسام " لا اعلم فأمي لا ترد على مكالمتي اخشي ان مكروها قد اصابها "
تراجعت ثناء خطوات اخرى الى الوارء واخرجت من جيب ......ميدعتها...جوالها لتحدد كم الساعة فعلمت انها منتصف الليل
اردفت تقول
ــ" لا اظن ان امك ستنتظرك للعشاء ربما غلبها النعاس فنامت ثم ان الارسال لا يعمل في هذا المكان كيف لك ان تهاتفها"
وعلى حين غرة وقع من الجثة شيئا كساعة او جوال
صرخت ثناء وقالت
ــ وماذا بعد؟ انجدني يا حسام بت اخشي ان تتحرك هذه الجثة "
ــ "حسنا انا قادم اليك"
ــثناء"..يا الاهي انقذني ياحسام الجثة داخل الصندوق كيف فعلت ذلك؟ "
ثم دلفت الى الرواق فيما كان حسام خلفها يحاول تهدأتها
ــ "حسنا اهدئي انا هنا لا تقلقي ارأيتي لن اتركك لا تخافي هيا اجلبي النقالة واللحاف ثم ذلك الجوال الذي سقط صدقيني لا شئ مخيف انها مجرد هلوسات "
تحاملت ثناء على نفسها وايقنت في داخلها ان مرد هذا كله التعب في العمل والهلوسات ومجرد رؤى خاطئة وسراب ثم دلفت الى المشرحة مرة ثانية واتجهت صوت الهاتف الذي وقع من الجثة اخذته وهي تردد بصوت عال
ــ حسام انه يشبه جوالك ..حسنا انا شجاعة فلأزيح اللحاف عن الجثة واطبق عليها الصندوق ولترقد بسلام"
فجأة كانت الصدمة اكثر وقعا على روح ثناء حيث تملكتها رجفة الخوف
ودبت في اواصرها رعشة باردة كبرودة المكان فلم تكن لتعلم اهي ميتة ام حية من شدة قوة المنظر الذي امامها صرخت باعلا صوت لها بأنفاس لاهثه تتسابق مع دقات قلبها المسرعة
وقد تصلبت قدماها ولم تعد تقوى على حملها تناثرفيها الحزن كغيمة شتاء قارسة في أنحاء جسدها ولوهلة واحدة ضعف نبضها وسقطت على الارض دون حراك
لانعلم كم من الوقت قد مر لكن كل ما نعلم انها اخيرا فتحت عيناها الذابلتين وتعلو محياها الدهشة والتعجب لتجد نفسها فوق سرير المشفي في عناية طبية وقد تحلق حولها جمع من زملائها الممرضين والدكتور خالد انها تعرفه جيدا يردد
ــ "مرحبا بعودتك آنسة ثناء لقد عهدتك شجاعة وليست بالمرة الاولي التى تنقلين فيها الجثث الى المشرحة "
اردفت بصوت تملأه الغصة والخوف
ــ انه حسام يا دكتور لقد كان ممدا امامي جثة هامدة"
الدكتور خالد
ــ "وهل كنت تظنين غير ذلك لقد توفي الليلة اثر حادث سير فور خروجه من المشفي "
ــ "ابدا لقد كان معي يساندنى ويشجعني ودخلنا معا المشرحة ونحن نتحادث "
الدكتور يخاطب الممرض
ــ "حسنا انها ما زالت تحتاج الى الراحة اكمل ذلك المصل واحقنها في الوريد نريدها ان تكون هادئة تماما وان تقبل فكرة موت حسام زميلها فهي مازالت تحت تأثير الصدمة "