ذاكرة
في دياجير الليل وانا مستلق على كرسيي الخشبي تحت سقف متشقق متصدع حتى تكاد أجزائه تقع في احضاني . وفي ذاك الهدوء القاتل ووحدتي الشنيعة أرغمت عقلي أن يمسح الغبار على أحد كتب ذكرياتي وقام يقلب صفحاته الرثة والممزقة التي تكاد تفلت بين دفتيه, وبدأت تسرد حكايات الزمان امامي فمرة تسيل دمعتي ومرة ترتسم على وجهي ضحكة خفيفة مختلطة بالشوق والحنين لأيام الخوالي .
فتوقفت عند صفحة ذلك اليوم الذي كان شديد البرودة وكانت سماءه مغطاة بالسحب الرمادية وكأنها تحترق داخلها وتذرف دموعا ومن شدة ألمها تصرخ صرخات تصرع الآذان الصاغية لها وكانت الناس تركض وكأنها في مراثونا للنجاة هذا يضرب ذاك وهذا يطأ على ذاك باتت الشوارع كلها صراخ وهول ورعب وكأن الساعة قد حانت...
فمن شدة الهلع الذي قد إستوطن قلبي ركضت ركضا ويداي ترتجفان وقلبي يقرع الطبول قرعا ،جلست بين أحضان أمي وجدتها على الارض تتلو ماتيسر من كلام الله بصوت حنين يشبه حفيف الشجر وصوت الطيور في الصباح وهي تهلل وتسبح بحمد ربها ..لقد إحتوتني بين يديها وبدأت تمسح على شعري المجعد والمبلل بقطرات من المطر التي قد تسللت من نافذة غرفتي كانت ترفع من صوتها أثناء ترتيلها وهي تربت على ظهري مما أراحني ذالك وجعلني أنسى مارأيت من هول ذالك المشهد وقد نمت بطمأنينة بين أحضان نبع الحنان. ياليت تلك الايام تعود علني أجد من يسندني وينسيني همي ويخرجني من قبو تعاستي،بمُفردي واجهت كل هذا الخراب، بَكيِـت حتى تَبخّرت دمـوعي، وكأنني سجيـن لأفكار عقلي، إنني أهرب من الضجيج إلى العدم، والعدم يفزعني، لا هدوء في الهدوء كما تظن، الماضي قد قتل الحاضر ، ولطخ المستقبل، أشعر أن الحزن سيطر على كل مكان بصدري، لقد فقدت الأمـان .
فكانت كل صفحة تحمل مشاكل وعبر قد أخذتها عبر هذا الزمن البغيض الذي لم يرحمني يوما ولم يقدم لي اي سعادة على طبق من ذهب ،لكن هذا لايهمني ،فجأة أنظر الى ماحولي أجد نفسي أجلس منفردا بين الجماد لاحياة حولي ،الهدوء يخترق أذني يُضيق صدري يفجر أهاتي العليلة على شكل سؤال..لما هاته الوحدة؟؟
ألا أستحق روحا الى جانبي لتواسيني؟ .اسأل وانا في حيرة من أمري انتظر من يجيبني لكن لقد أجبت نفسي قائلا:تخلص من الوحدة إصنع كوب من القهوة واشربه على مهل، صادق نفسك، كوّن علاقة مع الكتب وأزرع أحلاماً في مُخيلتك هذه الأشياء لن تتركك وحيداً بيوم من الأيام..
| بقلم : وهيبة حموصالح من الجزائر
تعليقات