قراءة في قصيدة هدهد الحب للشاعر محمد كمال

قراءة في قصيدة هدهد الحب للشاعر محمد كمال

إنّ الشّعرَ مِنَ الفُنون العربيّة الأولى عند العرب، فهو بمثابة صحيفة فنية يمكنُ مِن خلالها التعرف على الثقافات على اختلافها ؛ حيث نجده يتميز عن غيره من أنواع الكلام المُختلف من خلال استخدامِ الوزن الشعريّ والقافية، فهو كلام موزن مقفى يحمل معنى جميلا،كما نجد له خصائص عديدة منها العاطفة و جزالة الأسلوب و الجمال الحرفي،سنقف فيما يأتي مع قصيدة للشاعر النصري محمد كمال،هذا الشاعر الذي جمع بين مهنة الطب و الارتقاء إلى معانقة الحرف و الكلمة في ترسيمية شعرية جعلتني أستوقف الأنفاس لدراسة هذه القصيدة “هدهد الحب”، من ديوانه(ستجمعنا الأقدار).

القصيدة:

يا هُدهُدَ الحُبِّ
كَيفَ الحالُ في سَبَأِ ؟؟
و هلْ لَديكَ
- عن المحبوبِ -مِن نَبَأِ؟؟
مُذْ غادَرَتْ صَرْحَنا بلقيسُ ما اكتَحَلَتْ
عَيْني بنومٍ
و إني ما ارتوى ظمأي
نبضي كئيبٌ
علاهُ الحُزنُ مُذْ رحَلَتْ
فصار قلبي ..
كمِثلِ المعدِنِ الصَدِأِ
و صارَ فِكري شريدًا
بِتُّ مضطربًا
و لا أَمِيزُ صوابَ الدربِ مِن خَطَأِ
زَهِدتُ في هذهِ الدنيا بأكمَلِها
و لا يطيبُ مع الأصحاب مُتَّكَأي
أَنَّى اتَّجَهْتُ
مُريدًا بعضَ تسليةٍ
فلا يزورُ فؤادي السَعدُ...
لَمْ يَطأِ
**
يا هُدهُدَ الحُبِّ :
نارُ الشوقِ في كبِدي
أمشي بجسمٍ عليلٍ
شِبْهِ مُهْتَرِئِ
باللهِ..
إنْ مرَّةً
قابلتَها قَدَرًا
فاقرأْ سلامي مِرارًا..
عند مُبتَدَأِ
و ثَنِّ بالشوقِ و الآهاتِ
مجتهدًا
و قُلْ: "سليمانُ " أضحَى
شِبْهَ مُنطَفِئِ
و أجْدَبَتْ روحُهُ
بعد النوى حَزَنًا
جُودي عليهِ بماء الوصْلِ
و الكَلأِ
فما سِواكِ يُعيدُ الروحَ
ساطعةً
و أنتِ وحدكِ تُغنيهِ عن المَلَأ
صِلِي "سليمانَ"
يا "بلقيسُ" عاشقةً
يَعُدْ نبيَّـًا
و في أعماقهِ اختَبِئِي
**
يا هُدهُدَ الحُبِّ
نجد أن النداء هنا كأسلوب بلاغي يدل على الارتقاء إلى الحب و حمل دلالات غزو الذات و العيش في توليفة من الانتصارات،و قوله هدهد دون تعريف يدل على الشاعر يعيش نوعا من التيهان في الاقبال للغير و البوح له،و تعريفه للفظة الحب تدل أن حبه ثابت مستمر لا رجعة فيه،فهو الهائم في رحاب الحياة.

كَيفَ الحالُ في سَبَأِ ؟؟
نجد أنه انفتح على التقاطع مع قصة سبأ القوم الذين كفروا فدمرهم الله و أرسل إليهم السيل العرم،فهو يتساءل رفض حبه رغم كل العطاء الذي قدمه فالسؤال هنا جاء استنكاري،يحمل معنى التعجب و قوله الحال بالتعريف دلالة على أنه حاله معروف مكشوف.

و هلْ لَديكَ
هنا نجد أنه استعمل حرف العطف الفاء دلالة منه على شدة الرابطة و قوتها،و قوله لديك توجيه الخطاب له لارسال توجيها و تنبيها لداخله.

- عن المحبوبِ -مِن نَبَأِ؟؟
نجده استخدم حرف من الدال على التبعيض فهو يرى أن حبه بعضا من حياة،و النبأ هو الخبر لكنه استخدم لفظة نبأ تقاطع مع سورة النبأ التي تسمى سورة التساؤل فهو يتساؤل عن الحب الداخلي الخفي.

نبضي كئيبٌ
نجده قد دقق في الوصف فقوله كئيب على وزن فعيل و هز من صيغ المبالغة دلالة على أن رفض غيره له قد بالغ في ذلك و استد انهياراته من ذلك.
و من هنا نجد الشاعر قد كان شجاعا في ارسال نسمات مشاعره و البوح بها، كما نلاحظ أنه كان ذكيا في الانفتاح على استخدام الروابط النصية التي حققت اتساق النص و انسجامه، كما استخدم صورا بيانية مثل:نبضي كئيبٌ

فصار قلبي ..
كمِثلِ المعدِنِ الصَدِأِ
صارَ فِكري شريدًا
حيث أنها حملت المعنى العادي إلى الخفي،أين بات الحب شرنقة من آهات و انكسارات و مع ذلك لايزال الأمل،حيث أن هذه التعابير جعلت المعنى قويا و جسدت حالة الشاعر خير تجسيد
حاولت في هذه الصفحات القاء إضاءة على هاته العبرات التي نسجها الشاعر و تألق في حياكة جمالها، متمنية أن يلقى ديوانه نصيبه في الدراسات الأكادمية.

| المراجع :
- لسان العرب، ابن منظور
- نحيب البهبيتي تاريخ الشعر العربي
- قضايا الشعر المعاصر أحمد زكي
______
| بقلم : نهاد سعيداني، من الجزائر
تعليقات