قراءة في عنوان نصّ " أنا قادم " من كتاب "حكمة رجل مجنون" للكاتب عبد الرحمن قيطوني

قراءة في عنوان نصّ " أنا قادم " من كتاب "حكمة رجل مجنون" للكاتب عبد الرحمن قيطوني


تعدّ الكتابة ذاك الخيط الرّابط بين المبدع و عالمه الخاصّ به ، فهو يتحرّى الكلمات و يمازجها بالمعاني للخروج بأنفاس في نصّ إبداعي له قيمته و تميّزه ، كما نجد الكتّاب تستهويهم لغة الإشارة و اللّعب بسلّم الكلمات .
تعدّ الكتابة شرنقة لها مكانتها في السّاحة الأدبيّة الجزائريّة منذ عصور مضت إلى يومنا هذا ، فالقلم الجزائريّ له وقعه و فرادته ، و بخاصّة القلم الرّجاليّ فقد وجدنا عديدا من الأقلام ذات صبغة ذكوريّة متميّزة ، سواء أكانت سرديّة منها أم شعريّة ، و من بين الكتّاب الناشئين الجزائريّين الكاتب القسنطيني عبد الرحمن قيطوني ، هذا القلم الذي خرج إلى السّاحة رغم عديد من الصّعوبات ، جارى المطبّات و سايرها ليصل إلى هدفه ، كاتب ناشئ في فنّ السّرد.

نرى أن عبد الرحمن قيطوني أخذ قلمه برزانة و تميّز إلى الاشتغال على لغة التّجاوز و المزج بين المألوف و المتغيّر في ثنائيّة من التّجديد ، بل قفز إلى ضرب حائط القديم و محاكته إلى نسج خيوط المعاصر و معانقته .
وددت في هذا المقال أن آخذ زاوية من كتاب " حكمة رجل مجنون " و دراستها وفق المنهج السيميائي اعتمادا على مناهج أخرى بما تتطلّبه تفاصل الكلمات .

نجد الكاتب قد اعتمد في كتابه على ذكر أمثال و حكم ثمّ الولوج إلى نصوصه الخاصّة الإبداعيّة ، يمكن القول عنها خواطر أو قصص قصيرة ، سنتطرّق في هذه الأسطر إلى خاطرة " أنا قادم " ، هذا النص الذي جعلني أطرح سؤالا مفاده : ما علاقة القدوم بالكاتب ؟ كيف يمكن أن يكون مجنونا كتابيّا و يقوم بالقدوم ؟ لماذا صرّح بالأنا ؟ تساؤلات ربمّا سنجد لها جوابا في الأسطر القادمة .

" أنا أنا قادم
ها هي ذي شمس آمالي تشرق من جديد ... بنورها الساطع تضيء عتمة دربي
لم يعد لذاك الحزن بقلبي مكان ... يا هم لا أطلب منك شيئا، فقط خذ أغراضك وارحل
ها هو ذا قلمي يخط سطور أمجادي ... أين ذهب ذاك الشيطان الذي شكك بقدراتي؟
سوف أرسم ابتسامة عريضة يراها كل أعدائي... الذين راهنوا و مازالوا يراهنون على فشلي
كيف لي أن أنسى سعيهم لحط معنوياتي، كل خيبات الأمل بوجوههم البائسة تذكرني
هم من نصبوا أنفسهم أعداء للنجاح... أليس لهم هدف في الحياة يسعون إليه؟
لا أميل للهزل من القول ... حازم لا يصاحبني السفيه
عدت من جديد وكلي يقين ... إني قادر على تدارك ما فاتني
ربما فاتني الشيء الكثير ... وربما لم يفتني إلا القليل
ها هي ذي مشاعري تداعب شغفي من جديد ... عدت بعد غياب دام زمنا طويلا
أستسمحك عذرا يا أحلامي ... تركتك تنتظرين كثيرا قصيدتي التالية
عدت إلى ذاك الكتاب البالي... أمسح عنه غبارا غطاه بعد الهجران
أعود إلى صفحات المجد والكبرياء ... حيث الحنين يذكي اشتياقي
عدت يا غدي والعود أحمد ... انتظرني أنا قادم كالبرق
سأخرج من وسط الزحام ... حيث يقبع جاهل وسفيه
لن أرضى بذل وهوان ... ما خلقت لأبقى بين الحفر
قادم أنا يا غدي فانتظرني... منتصر لا محال ورب البشر."

نجد أن العنوان كإشارة أولى و عتبة للدخول للنّص حمل تداعيّات مختلفة ،فهو «مفتاح تقني يجسّ به السّيميولوجي نبض النص و يقيس به تجاعيده، ويستكشف ترسباته البنيوية وتضاريسه التركيبة على المستويين الدلالي والرمزي»( ) .

فالضّمير دلالة على الحضور و القوّة و كذا التّميّز ،فهو ذاك الحلم المنتظر تحقيقه بين صفحات الأيّام ، و قوله أنا فيه إشارة إلى ذاك الدّاخليّ المنبثق عن رمي الماضي و الولوج للجديد و تحقيق نجاحاته ، فهو ذاك الاثبات للذات على تواجدها، و هنا نرى أن الكاتب يطرح نفسا من التباهي و استشعار قوة الداخل، حيث أن الضمير الذي استخدمه من ضمائر المتكلم و جاء في بادئ الكلام دلالة على أنه قوي دوما في البداية رغم كل الصعوبات.
أما لفظة قادم التي جاءت وراء الضمير دون فصل دلالة على أنه قادم بقوته و عزيمته و رباطة جأشه، فقادم على وزن فاعل و هي من المشتقات حيث أنه اشتق القوة و القدوم من تلك العثرات فهي جعلته قويا لا ضعيفا، و قادم اسم فاعل و الاسمية دلالة على الثبات فهو ثابت في كل حالته و قد نسب له القدوم لأنه هو من يخلقه و يسعى لتحقيقه، فقوله قاد على وزن فاعل دليل على أنّ التّغيير سيأتي لا محالة ، و إنصاف الثّبات محقّق أكيد ، فكان العنوان جملة اسمية دلالة على الثّبات و الاستمرار ، فهو ثابت رغم ضغوطات الحياة مستمّر في تحقيق أحلامه دواما.و من هنا فإذا قلنا العنوان فإننا نقف عند تركيبة استطاعت أن «تسمي النصوص والخطابات الإبداعية، وتعينها وتخلق أجواءها النصية و التناصية عبر سياقها الداخلي والخارجي»( ).

و بهذا فإن الكاتب كان بارعا في استمالة شعور القارئ، بل جعله يقوى بقوته و يتقدم بقدومه
ومن ثمّ نجد أنّ العنوان حقّق الارتكازيّة في استحضار معاني الاتّزان هذا ضمن ثنائيّة تمثّلت في البسالة في تجاوز الماضي إلى حاضر كلّه نجاح .و أخيرا وجدت هذا المؤلف الرائع الذي حمل بين طياته ثيمات عديدة انسلخت منها التعابير العادية، تألقت عبرها كلمات البوح فهو رجل مجنون-على حد تعبير الكاتب- يتباهى بأحرفه و ينثرها عليلا صاعدا.

وجدتوني و أنا أقرأ أنساق وراء ذاك المعنى الذي يأتي واضحا تارة و غامضا مرات، استوقفتني عديد من النصوص تحذرني من مباغتة المعنى، وجدت العناوين تحدث القارئ عن ماوراء الحقيقي و تأخذه إلى عالمها الخاص، عمل عبد الرحمن على حبس الأنفاس في كتاب رائع يستحق أن يدخل عالم الدراسات الأكادمية فعلا.

____

| قراءة في عنوان نصّ " أنا قادم " من كتاب " حكمة رجل مجنون" للكاتب عبد الرحمن قيطوني.

| بقلم : نهاد سعيداني، الجزائر


تعليقات